تحت عنوان "سبت الفرح"، كتب الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا وأبو قرقاص، مقالاً قال فيه: وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابعَ وَقَدَّسَهُ، لأَنَّهُ فِيهِ اسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ اللهُ خَالِقًا (تكوين2: 3).
سبت الفرح هو السبت الأشهر بين سبوت السنة، ويُسمّى أيضًا سبت النور، وسبت السبوت، والسبت الكبير، وسبت الراحة الحقيقية.
وسُمِّي بسبت الفرح لأنه يعقب آلام الرب وموته في يوم سُمِّي "الجمعة الحزينة". وهذا السبت له مذاقه خاصة.. تطلّ القيامة برأسها منه، وهو السبت الوحيد الذي يُصام انقطاعيًا طوال السنة، وبسبب الحدث التاريخي والخلاصي لهذا اليوم، فقد وضع الآباء أن تصلّي الكنيسة أوشية الراقدين صباح جميع السبوت في رفع بخور باكر. ويُسمّى هذا السبت بـ"سبت النور" نسبة إلى النور الذي يخرج من القبر المقدس في ظهر ذلك اليوم من كل عام، وكذلك لأن السيد المسيح أشرق بنوره على الشعب الجالس في ظلمة الهاوية، فهو شمس البر الذي وهب الشفاء لتلك النفوس. ويُسمّى أيضًا "السبت الكبير"، ربما كان ذلك في سياق تسمية أيام أسبوع الآلام بهذه الصفة: الخميس الكبير.. الجمعة الكبيرة.. السبت الكبير، وربما لارتباطه بهذا الحدث الكبير.
ويُسمّى كذلك "سبت السبوت"، على مثال ملك الملوك ورب الأرباب وإله الآلهة، أي أنه السبت المتقدم بين السبوت. هذا ويغلب على طقس اليوم وعلى العابدين فيه سمة الارتياح، ربما لما يشيعه الحدث من راحة بعد معاناة أسبوع كامل من الآلام انتهت بالدفن، فقد انتهت المعاناة الجسدية للسيد المسيح وأسلم الروح على الصليب بعد ذروة الآلام، فشعرنا بالراحة بعد أن كنا قلقين ومتوترين وحزانى طوال فترة القبض عليه ومحاكمته وآلامه وصلبه (جدير بالذكر أن بعضًا من ذوي المصلوبين كانوا يدفعون رشاوى ضخمة للحراس ليقتلوا المعلق رحمة به!).
كما تعني الراحة أيضًا أن الله نفسه استراح ليس من جهة آلامه ولكن لأنه أتم الفداء، فبعدما أتم الله خلق الخليقة ثم آدم وحواء استراح في اليوم السابع أي السبت، وهنا استراح الرب بعد تجديد الخليقة وتخليص آدم.
ولعل الراحة تختلف عن الفرح، فقد يكون الفرح خارجيًا، وقد يكون وقتيًا.. مجرد فقاعة هواء، في حين أن الراحة عمل داخلي ولمسة إلهية تسبّب شعورًا بالطمأنينة، ولعل الفرق بحساب الوقت هو أن البعض يحزن يوم الجمعة ويفرح الأحد، أي يستبدل الحزن بالفرح، ولكن الكنيسة الواعية المسترشدة بالروح القدس تعلمنا "كيف يتحول الحزن إلى فرح"، ويظهر ذلك جليًا في طبيعة مردات وألحان تلك الليلة حيث تتحول النغمة تدريجيًا من الحزايني إلى السنوي (أي العادي) تمهيدًا للفرايحي، ولهذا فإن ألحان ليلة سبت الفرح لها طابعها الخاص. وهكذا تنقلنا من الحزن العميق إلى المجد من خلال سبت الراحة.