بقلم عادل نعمان.
أنا شهيد تراث كل الظالمين والجائرين، وفتاوى أئمة البغاة والمحرضين، أنا ضحية الجهلاء والحمقى والأغبياء، أنا حامل الوجيعة والمصيبة وكلمات الرثاء، أنا الراحل من بيتى إلى صلاتى ومنها إلى الفناء، أنا وريث النفاق والكذب والضلال والرياء من إرث الأجداد والآباء، وأنا المورث إرثا ثرياً من الحزن والهم والكرب للأحفاد وللأبناء. أنا المظلوم فى حكايات البطولات الوهمية، ومبارزات قوافى الشعراء، ودهس الخيول والسيوف الخشبية، وحروب طواحين الهواء، أنا قتيل جهاد السفهاء، والأسير والمنهوب تحت سنان الرماح العربية، أنا الأسيرة والنحيلة والمسبية على أسرّة الأمراء، وأنا الغلمان فى بيوت الدعارة والعفة نضاجَع كالنساء. أنا الوهم فى تاريخنا المنحول والملفق والمختلق والمزيف، قد أغرق الدنيا باسم الله والله أكبر فى بحور من الدماء، كذبوا وبغوا، فالله لا يعرف لغة أعظم من لغة المحبة والسلام والشرف والوفاء.
أنا حامل الوليد والرضيع والصغيرة والكبيرة والصبية والعجوزة، ملطخون جميعاً بالدماء، أنا الصراخ والنحيب والعويل والنواح والبكاء، أنا النزيف والقتيل والذبيح والضحية، أنا صرخة إلى الله فى وادى الخراب، أن يرفع عنا هذا الهم، ويزيح هؤلاء الأوغاد، وهذا البلاء. أنا صوفى أنا قبطى أنا يهودى أنا شيعى أنا إيزيدى أنا صابئى أنا بهائى أنا هندوسى أنا كل هؤلاء، فأنا إنسان، ربك ربنا، أرضه أرضنا، وسماؤه سماؤنا، ماؤه ماؤنا، وخيره ونعمه للجميع يا أيها الحمقى والأوغاد والأغبياء.
أنا الصوفى، أنا المصلوب فى تاريخ الخلفاء والأمراء والنبلاء، أنا الصوفى الغارق فى بحر القرب وبحر البعد كليهما على السواء، أنا الصوفى أنا أفقر الفقراء، وأغنى الأغنياء، وألم المحزونين والمكلومين، أنا العلة والداء والدواء، أنا الظالم والمظلوم، أنا خليل الرحمن، وحبيب الخليل والخلان، ومأوى المهابيل ورفيق العقلاء والأغبياء، أنا الأغنى فى حضرة الإشراف، والأفقر فى شوارع وحوارى الفقراء، أنا التيجان على رؤوس الملوك، وحلة النبلاء، وقلنسوة المشايخ وخرقة الزاهدين فى مزابل الكلاب، أنا الحق والحقيقة والكذبة والخديعة، والبدعة والفرية، والهداية والهدية، أنا الصوفى الرفيق والصديق والولى والأمير والخفير والغنى والفقير والحقير، أنا مع الله وفى صحبته ومجلسه ولست معنا ولن تكون، أنا أراه ولا تراه. يقول فيها الحلاج: «أنا الشقى فى مملكة الله.. لم يبرأنا البارى ليعذبنا.. ويصغرنا فى عينيه.. بل ليرانا ننمو.. وتلامس جبهتنا وجه الشمس.. أو نمرح تحت عباءتها كالحملان المرحة».
أنا القبطى، رحمة الله المهداة، ونور الحق، أنا راعى حملان الرب فى البيداء والوديان، أنا الباب المفتوح للضالين والشاردين والتائهين ليل نهار، أنا الإكليل فوق رؤوس العباد، أنا ترنيمة المحبة على عتبات ومصاطب العشاق، أنا سلام النفس ورضا القلب وصفاء الروح وراحة الضمير، أنا القبطى رجفة القلب على المكلوم، ومسحة اليد على جبين المقهور، أنا القبطى كلمة الله، أنا القبطى روح الإله، أنا القبطى القريب والبعيد، أنا الشريك المنبوذ، أنا العدو والصديق، أنا الزميل والغريم، أنا المؤيد والمعارض، أنا صاحب البيت المطرود، وصاحب الأرض الأسيرة، والتاريخ المنهوب.
يا أيها الخسيس والسفيه والجاهل، يا أيها الدنىء والوغد والغافل والقاتل، دع الملك للمالك، ولا تفتش فى القلوب عن الإيمان، فهذا حق الله، واسمع ما قاله الحلاج قبل القتل، وقبل الصلب، لو كانوا يعلمون ما قتلوه، ولو كانوا قد فهموا ما صلبوه، ولو كانوا يسمعون عن الكشف والحلول ما سألوه، الغباء والحمق رفيق الطريق لكل الوكلاء والمفوضين، اتركوها لله نصحو وننجو، اقرأوا: يقول أبوعمر رسول وزير القصر إلى الحلاج: يا حلاج هل تؤمن بالله؟ يرد الحلاج: أؤمن بالله وإليه نعود. فيعقب أبوسريج لرسول الوزير: هذا يكفى كى يثبت إيمانه. فيرد أبوعمر رسول الباغى: يا ابن سريج أنى لا أبحث فى إيمانه، بل فى كيفية إيمانه. ابن سريج: هل تبغى أن تنبش فى قلبه، هل هذا من حق الوالى أم من حق الله؟ يرد رسول الوزير: من حق القاضى الشرعى. يصرخ ابن سريج كما نصرخ نحن: بل هذا من حق الله، ليس هذا من حقك، بل هو حق الله. هذا هو الحق المسلوب والمسروق، هذا هو التأويل والتفسير، هذا ما تريدون، وبيننا وبينكم يوم، يفعل الله فيه ما يشاء.