بقلم الأنبا موسى
هناك- فى علم النفس- ثلاثة أساليب يستخدمها البشر للتحرك نحو الأهداف المرحلية، سعياً إلى الهدف النهائى، نود أن نطرحها، ثم نحدد الموقف الدينى منها:
أولاً- الأسلوب المباشر:
بمعنى أن الهدف يكون واضحًا أمامى، وأنا أتحرك نحوه مباشرة.. وقد أجد عائقاً أمامى فأتصرف كما يلى:
1- إزالة العائق: إن أمكننا ذلك.
2- الدوران حوله: ما دام ذلك ممكناً أيضاً.
3- استبدال الهدف المرحلى: بهدف آخر أنسب لظروفى.
- وحتى فى الأمور الدينية: قد يضع الإنسان هدفاً مرحلياً مثل الرهبنة، ثم يجد أن الزواج أنسب له شخصياً.
- أما فى الأمور المادية: فقد يفكر شاب فى دراسة من نوع معين، فتمنعه عوائق، فيغير هدفه إلى دراسة أخرى أنسب.
وهذا بالطبع أسلوب توافق عليه الأديان، طالما كان الإنسان يحاول الوصول إلى الهدف بمعونة الله، وبأساليب مشروعة، فإذا وجد عوائق تمنعه تماماً، يسلم أموره لله، من خلال إرشاد المشيرين.. ويضع هدفًا بديلاً يكون أنسب بالنسبة إليه، فيتجه إليه فى سلام وتسليم ورضا.. مستعينًا بقوة الله، وإرشاد المشيرين.
ثانياً- الأساليب غير المباشرة:
وهذه يلجأ إليها الإنسان حينما يجد العقبات أمامه، بعضها مقبول دينيًا، والآخر غير مقبول.. ويسمى علم النفس هذه المسالك الحيل الدفاعية Defence Mechanisms، إذ فيها يدافع الإنسان عن وجوده، وتحقيقه لذاته. ولكن المهم أن يتخذ المسلك السليم دينيًا، لأن غالبية هذه الحيل غير مقبولة من وجهة النظر الدينية.. وهذه بعضها:
1- الكبت: حينما يدفن الإنسان الدوافع غير المقبولة اجتماعياً، والذكريات المؤلمة أو المخجلة، فى اللاشعور.. ويظن أنها انتهت، ولكنها تظهر بالقطع فى أحلامه أو تخيلاته. وحينما يزداد الكبت، تأتى ربما لحظة انفجار وانفلات وضياع. والمنهج الدينى هنا يعلمنا أن لا نكبت هذه الأمور السلبية فى اللاشعور، بل نخرجها إلى الشعور، ونصلى، ونفكر، ونسترشد، وهكذا نحصل على معونة وإرشاد، لمواجهة هذه الدوافع غير المقبولة، أو الذكريات المؤلمة، واثقين فى قدرة الرب أن ينصرنا، ويسند ضعفنا، ويقدس دوافعنا، ويستثمر ذكرياتنا المؤلمة والمخجلة، لبنيان حاضرنا ومستقبلنا.
2- الإعلاء (Sublimation): ومعناه التسامى بالطاقة الجنسية مثلاً، فى اتجاه بنّاء كالتدين، والقراءة، والرياضة، والهوايات، والخدمة.. إلخ. والإعلاء هو الارتقاء والسمو بالدوافع غير المقبولة، وتوجيهها إلى نشاط بديل مقبول ومفيد.. وهذا بالطبع ممكن دينيًا، بمعونة الله تعالى.
3- التعويض: بمعنى إذا فشل الإنسان فى مجال معين، يتحول إلى مجال آخر ينجح فيه، وهذا أمر مقبول طبعاً طالما أن هذه المجالات بناءة.. كالعمل والرياضة والفنون.. إلخ.
4- التبرير: ومعناه أن يبرر الإنسان فشله بأعذار واهية للهروب من المسؤولية، فيشوه الهدف الجيد الذى فشل فى تحقيقه، أو يرفع من قيمة هدف سيئ اتجه إليه، أو يلتمس أعذاراً غير حقيقية لفشله، والصحيح هنا أن يعترف الإنسان بأنه فشل، فلا عيب فى ذلك، ويدرس السبب الحقيقى، ويتعامل معه سعياً إلى النجاح بنعمة الله.
5- الإخلال أو الإزاحة: كأن يضغط رئيس العمل على موظف، فيحول ضيقه إلى مشاجرة مع زوجته.. وهذا
غير مقبول دينيًا وإنسانياً.. والأصح أن يتعامل مع المشكلة بطريقة سليمة، ومصححاً أخطاءه، أو مطالباً بحقوقه بطريقة حكيمة إذا ما ظلم.
6- الإسقاط: ومعناه أن يتحدث الإنسان عن أخطاء الآخرين، ليبعد الأنظار عن أخطائه هو.. وهذا ما نسميه دينيًا الإدانة.. وكان الأفضل أن يفتش الإنسان عن أخطائه ليعالجها، وأن يبحث عن فضائل الآخرين ليتعلم منها.
7- التقمص: إذ يتقمص الإنسان شخصية إنسان آخر يراه ناجحاً ومتميزاً، لكى ينال شيئاً من هذا النجاح، فيستعير من صفاته وسلوكياته وحركاته، وربما فى الشكل وليس فى الجوهر، وهذا غير سليم طبعاً، فلكل إنسان جوهره الخاص، ووزناته وملامحه، والأفضل أن يتعامل مع الله فى إيمان، ليحقق الرب قصده من خلقه، ويجعل منه أيقونة خاصة.
8- التكوين الضدى: وفيه يبالغ الإنسان فى مظاهر المحبة مع شخص ما، لكى يخفى عدم محبته له.. وهذا غير مقبول.. إذ يمكنه- بعمل الله فى حياته- أن يحبه محبة حقيقية، حتى من يعارضونه أو يعادونه.. ولا يكون هذا رياء.. ويمكنه طبعًا أن يستخدم أسلوب العتاب والمصارحة، للوصول إلى السلام مع أصدقائه.
9- العناد: وهو حيلة الطرف الضعيف أمام الطرف المتسلط والمسيطر، إثباتاً لذاته! ويمكن أن ينبع العناد من كبرياء الإنسان، واعتداده بنفسه وفكره، وكلاهما موقف خاطئ، فالرب قادر أن يهب الطرف الضعيف قوة ومعونة من أجل العتاب والتفاهم.. وأن يكسر كبرياء الإنسان العنيد إذا ما تصلف وملأه الغرور، لكى يدفعه إلى التوبة.
10- أحلام اليقظة: وفيها يحاول أن يحقق الإنسان فى عالم الخيال، ما يفشل فى تحقيقه فى عالم الواقع.. وهو إما أن يتجه إلى تحقيق بطولات خيالية، أو عدوان وهمى على أعدائه، أو اجترار الإحساس بالاضطهاد.. وهذا كله خطأ.. فالحياة على أرض الواقع أفضل.. والتعامل مع المشكلات بأسلوب مباشر ممكن وأنسب.. ويصل بنا إلى الأهداف الواقعية المنشودة.
11- الانسحاب: كأن يبتعد الإنسان عن المواقف التى تؤدى إلى نقده أو عقابه، فينعزل فى حجرته لساعات طويلة.. والأفضل أن يهدئ نفسه قليلاً بالراحة والاعتزال والصلاة، ثم يخرج لمواجهة الموقف ودراسته، مستعينًا بمن يرشده.
هذه كلها حاجات تحتاج إلى رعاية روحية من المشرف الروحى والدينى، وما يقدمه من أنشطة دينية واجتماعية وتربوية.. لبناء شخصية متكاملة قادرة- بنعمة الله- على استيعاب العصر والأحداث، والسلوك بالطريقة السليمة البناءة.
* أسقف الشباب العام
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية