أثار انتباهى، وغيرى كثير، صورة لطفلة على شبكة التواصل الاجتماعى بصحبة متسول فى يوم، ونفس الطفلة بصحبة متسولة فى اليوم التالى، فى شارع التسعين بالتجمع الخامس، ملامح الطفلة، وشكلها، ولون شعرها، وعيناها، وهيئتها، ونظراتها، وملامحها لا تمت للاثنين بصلة، وهذا ما دفع الجميع إلى طلب تشيير الصورة على نطاق واسع، حتى تتمكن أسرة الطفلة الحقيقية من الاستدلال عليها والوصول إليها، كان هذا اعتقاداً وإحساساً واحداً عند الجميع متفقاً عليه، وهو أن هذه الطفلة لا تمت للاثنين بصلة قربى، والأرجح أنها مخطوفة، فإذا أضفنا لهذا المشهد مشاهد كثيرة عن خطف الأطفال فى أنحاء البلاد، وهى ظاهرة لا ينكرها أحد، نستطيع أن نضع لهذه الطفلة ولغيرها سيناريوهات مقبولة ومعقولة، هذه مقدمة لسيادتكم لا بد منها، وهى عن أطفالنا، مستقبلنا، فلذات الأكباد.. وكيفية المحافظة عليهم، وصونهم وحمايتهم، وتأتى مسئولية حماية الأطفال بالدرجة الأولى على عاتق الدولة، ثم تأتى مسئولية الأسرة فى الترتيب التالى، فمساحة وزمن وجود الأطفال فى الشوارع وهو مسئولية الدولة تطول كثيراً عن مساحة وزمن وجودهم فى بيوتنا ومدارسنا، هكذا يجب أن يكون ترتيب الأولويات والمسئوليات، وهكذا يجب أن يكون مفهوم الحماية عند الدولة، بذل الجهد لحماية الطفل من الضرر ومن الأذى، وليس البحث عن الحلول بعد وقوع المصيبة، أو الكارثة له.
ودعنى، سيدى الوزير، أقر بأن المسئولية الأمنية كبيرة، وروافدها متعددة، إلا أن حماية المواطن هى الأولوية الأولى، ويأتى أطفالنا فى مقدمتها، ولا عذر للدولة فى التقصير أو التكاسل، فلها السلطة الكاملة فى فرض النظام الذى يحمى الناس، ولها السلطان الذى ينزع الحق نزعاً، ويفرض سطوته على الجميع، ولها الحق فى التشريع، وتلزم الشعب باحترام القانون الذى يضمن للناس الأمن والسلامة. ودعنى أتقدم لسيادتكم باقتراح أرجو دراسته على نطاق واسع، يشارك فيه كل المتخصصين من رجال الأمن والاجتماع وعلماء النفس وكل المهتمين بشأن الطفولة، وكل من له صلة بها، وهو إنشاء شرطة متخصصة للأطفال منذ الولادة إلى بلوغ سن الرشد ليس غير، وذلك من الشرطة النسائية، الضال منهم والتائهون وأطفال الشوارع ومَن فى صحبة المتسولين، ومشاكل الرؤية والحضانة والنفقة، وجرائم التحرش والاغتصاب والتعذيب وعمالة الأطفال وغيره كثير. ولماذا يا سيدى الوزير من الشرطة النسائية؟ هن أكثر خلق الله تجاوباً مع مشاعر وأحاسيس من أصابتهم محنة الفقد والضياع، وما تواجهه النساء المطلقات من مشاكل النفقة والحضانة والرؤية، وهى حقوق أصيلة للطفل، والبعد النفسى من جراء التحرش والاغتصاب، وهن أمهات يعرفن الوجع من نظراته، والألم من آهاته، ويعرفن شكوى المظلوم وبكاء المقهور وأنين المحروم، ويعرفن أيضاً بكاء النوائح المستجيرات حين لا يدخل البكاء إلى القلب، خبيرات بشئون النساء، وكل ما يمت بصلة بمشاكل الطفولة وروافدها، وهذا يفتح المجال لضم كل التخصصات المطلوبة من خريجات الجامعة إلى العمل بهذا الجهاز، على أن تنتشر فى أنحاء الجمهورية، ويفضل أن تكون فى وحدات بعيدة عن المراكز والأقسام مستقلة بمشكلاتها وأوجاعها وآلامها، ولا يختلط الطفل ومشاكله بالمجرمين.
ودعنى أتجول معكم فى أحد فروعها، وهو هذا الكم المخيف من الأطفال الصغار بصحبة المتسولين، وهم إما مخطوفين أو مستأجرين للتسول بهم، حتى يرقق مشاعر الناس عليهم، ومنهم من هم من أصلابهم، وفى كلٍّ، فنحن أمام جريمة بشعة، فهى جريمة باقية بقاء الطفل حتى يكبر، والأبوين حتى موتهما، ترتكب اليوم ويظل أثرها لأعمار وسنوات مقبلة، ولست هنا فى مجال ذكر الآثار المدمرة على النشء والطفولة، أو ما يصيب الأسر من ألم ومحنة ضياع أو خطف طفلها، وانضمامه لقبيلة المتسولين أو البلطجية والحرامية والنصابين، وهو إلى جانب الآثار السيئة التى تصيب الأسرة، فإنها تصب أيضاً فى عالم الجريمة. نحن مطالبون بحل المشكلة من بداياتها، وذلك بالإمساك بهؤلاء فوراً ويومياً، وبحث هذه الحالات والتأكيد على صلة القرابة بين هؤلاء المتسولين والأطفال، وضمهم إلى دور الأيتام مؤقتاً، ويعلن على موقع محدد كل المعلومات عن هؤلاء الأطفال، وبوسائل أكثر بساطة للذين ليست لهم صلة بشبكات التواصل الاجتماعى، للوصول إلى أهليهم وأسرهم، وعلى هذا المنوال أيضاً يتم دراسة أمور النفقة والرؤية، ووضع برنامج نفسى للتحرش والاغتصاب، وكافة مشاكل الطفل، على أن يبدأ الإعداد والدراسة ووضع آليات وطرق الحل لكل سلبية من السلبيات، على أننى لى رجاء إذا وجد هذا الاقتراح قبولاً لديكم، أن يكون فريق الإعداد والبحث وإصدار التوصيات بعيداً عن الجهاز الإدارى للدولة، وأن يكون هؤلاء المتخصصون متبرعين بجهدهم، حفاظاً على أولادنا، وضمان حيادية وفعالية التوصيات.
نقلا عن الوطن