في خطوة جادة لمواجهة انحراف عدد من الرهبان والقساوسة عقب حادث مقتل الأنبا أبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أبو مقار بوادي النطرون، أصدر البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية مجموعة من القرارات الحاسمة والثورية بشأن إعادة ضبط الحياة الرهبانية وإعادة سيطرة الكنيسة علي الأديرة والرهبان، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً داخل الشارع القبطي فعلي الرغم من تأييد كثير من النشطاء والرموز القبطية لهذه القرارات إلا أن البعض وصفها بأنها تحمل دلالات خطيرة نحو دكتاتورية الكنيسة.. في السطور التالية ترصد "الموجز" نبض الشارع القبطي تجاه هذه القرارات.
كانت لجنة الرهبنة وشئون الأديرة بالمجمع المقدس قد عقدت اجتماعاً عاجلاً برئاسة البابا تواضروس الثاني منذ أيام عقب حادث مقتل الأنبا أبيفانيوس، وانتهت إلي إصدار اثني عشر قراراً بشأن إعادة ضبط الحياة الرهبانية داخل الأديرة، أبرزها وقف الرهبنة لمدة عام ومنع الظهور الإعلامى للرهبان بأى صورة ولأي سبب وبأي وسيلة، أو تورطهم فى أى تعاملات مالية، إلى جانب منحهم فرصة شهر لإغلاق صفحاتهم الإلكترونية علي مواقع التواصل الاجتماعي.
وفيما يتعلق الأماكن التي لم توافق البطريركية على إنشائها كأديرة فقررت اللجنة تجريد من قام بهذا العمل من الرهبنة والكهنوت مع عدم السماح بأى أديرة جديدة إلا التي تقوم على إعادة إحياء أديرة قديمة، ويتم ذلك من خلال رعاية دير معترف به.
كما حظر المجمع المقدس وجود العلمانين خلال الرسامات الرهبانية ومنع الرهبان من التواجد خارج الدير والزيارات وحضور الأكاليل والجنازات للرهبان بدون إذن مسبق من رئيس الدير.
هذا فضلا عن تحديد عدد الرهبان فى كل دير بحسب ظروفه وإمكانياته وعدم تجاوز هذا العدد لضبط الحياة الرهبانية وتجويد العمل الرهبانى وإيقاف سيامة الرهبان فى الدرجات الكهنوتية " القسيسية والقمصية " لمدة ثلاث سنوات.
مياه راكدة
من جانبه أشاد أمير سمير الناشط القبطي بقرارات البابا تواضروس الثاني والمجمع المقدس بشأن إعادة الانضباط للرهبان والأديرة، قائلاً "خطوة جيدة نحو تعديل المسار للرهبان وإعادتهم للحياة الديرية".
وتابع: علي الرغم أن هذه القرارات تأخرت إلا أنها جاءت عقب حادث جلل تمثل في مقتل أحد الآباء الكهنة داخل ديره وهو الأنبا أبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أبو مقار بوادي النطرون الأمر الذي دفع المجمع المقدس لإصدارها في هذا التوقيت.
وأضاف أن واقعة الأنبا أبيفانيوس كانت بمثابة الحجر الذي حرك المياه الراكدة في ملف الرهبان والذين كانت تصدر عن بعضهم كثير من التجاوزات خلال الفترة الأخيرة نتيجة لابتعادهم عن حياة الديرية وانشغالهم بالأمور الحياتية.
وأكد سمير أن قرارات البابا تواضروس تصب في إطار خطواته نحو إصلاح البيت الكنسي الذي انتهجها منذ توليه البطريركية، رافضاً هجوم البعض علي هذه القرارات بدعوي أنها تحمل دلالات خطيرة تستهدف فرض هيمنة الكنيسة علي الأديرة.
تصحيح المسار
أما فادي يوسف، مؤسس ائتلاف أقباط مصر، فأكد أن القرارات التي أصدرتها لجنة الرهبنة صحيحة وجاءت فى الوقت المناسب لتصحيح المسار الرهبانى وضبط السلوك داخل الأديرة، مضيفاً "هذه القرارات لصالح الرهبنة والرهبان فكل ما استحدث على الرهبان غير مفيد روحياً يجب أن يعزل ويرجع الراهب إلى الحياة الأولى التى أسسها الأنبا انطونيوس الكبير مؤسس أول تجمع رهبان".
وأشار يوسف إلي أن الكنيسة حازمة وحاسمة في قراراتها، وأن أي مخالفة لقرارات المجمع سيقابل بالتجريد الفوري وهذا سبب إغلاق جميع صفحات الرهبان فى اقل من ٢٤ ساعة من صدور بيان المجمع.. لافتاً إلى أن هذه القرارات ستجعل الحياة داخل الأديرة أفضل.
وتابع "جميع القرارات قوية وتتفق مع نهج الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وتاريخها، وإذا نظرنا إلى بنود البيان سنجدها تشمل ثورة للإصلاح الرهبانى والكنسى من السلام والبنيان".
وقال "بخصوص الأديرة غير المعترف بها فما بُنى على باطل فهو باطل ويجب أن يخضع المشرفون على تلك الأديرة لقرارات المجمع المقدس ويقوم كل راهب بالرجوع إلى ديره الأصلى والالتزام بالحياة الرهبانية داخله".
ووصف اعتراض البعض علي القرارات بأنها "مزايدات فارغة ليست فى محلها أو توقيتها ودائماً تصدر من أناس لهم عداء مع الكنيسة دون مبرر".
وتابع "الرهبنة مبنية فى الأساس على ثلاث نقاط الطاعة والفقر الاختيارى والبتولية، وما اتخذ من قرارات لم تخرج عن هذه الأسس لذا يجب على هؤلاء المدعيين أن يدرسوا فى البدء ما هى الرهبنة لكى يقيّموا تلك القرارات".
التكنولوجيا الحديثة
وفي السياق ذاته قال هاني رمسيس، المحامي والناشط الحقوقي، إن الرهبنة المصرية خرجت بشكلها المنظم مع أول تجمع رهبان حول مؤسسها الأنبا أنطونيوس، وبدأت وانتشرت فى كل صحاري مصر بحثاً عن الاعتزال والتوحد لعبادة الله، ومع تطور الحياة تطورت بشكل موازى الحياة الرهبانية فى شئون إدارتها وليس فى مبادئها والقواعد التى تقوم عليها وهى النذر الشخصى بترك العالم والفقر الاختيارى وحياة التوبة، وقد جاءت قرارات اللجنة لتضع حالة تنظيمية هامة بعد دخول وسائل التكنولوجيا الحديثة.
وتابع: كثير من الرهبان استخدموا أجهزة التليفون المحمول الحديثة ورأت اللجنة أن هذا الاستخدام لوسائل التواصل الاجتماعي يتعارض مع فكرة ترك الراهب للعالم وان الأمور تحتاج تنظيم وعودة للقواعد والمبادئ الأصيلة للرهبنة لذا أصدرت قرارات تنظيمية قوية رادعة لمن يخالف رؤيتها، مضيفاً "البابا نفسه أغلق صفحته على فيس بوك وأساقفة وكثير من الرهبان أيضاً".
وتابع "اللحظة الراهنة حاسمة وتحتاج قرارات جريئة، وتحت قاعدة الالتزام والمحبة، سيلتزم جميع الرهبان بكل القرارات، وهذا سيعود بالحياة الرهبانية إلي هدفها الأول وهو التركيز فى العبادة وأعمال الدير".
وقال إن المعترضين علي هذه القرارات يتكلمون بمنطق بعيد عن مفاهيم الحياة الرهبانية وطبيعتها، وأي تجمع يحتاج تنظيماً وسلطة تديره ونظاماً يحكمه، مثل أي مرفق فى الحياة فكيف نقبل هذا فى كل مرافق الحياة ونرفضها فى نظام هو بطبيعته يتجه للنظام والجدية المفرطة والحياة المتقشفة.
وتابع "القرارات مجرد محاولة لحماية منهج عبادة وتراث ممتد لآلاف السنوات وهذا مقبول، وإن وجد ما يحتاج نقاش فالنقاش الموضوعي هو الطريق الصحيح".
ورفض رمسيس وصف هذه القرارات بالدكتاتورية قائلاً "لماذا لا نسمى تنظيم أي مرفق دكتاتورية مثل الكهرباء والمترو، والرهبنة مؤسسة أو نظام روحى خاص جدا داخل الكنيسة ومن يدخله يعلم جيداً نظامه، وهو نظام ليس منظم لكل المنتمين للمسيحية فهو حياة قاسية وصعبة لا يقدر عليها كل الناس، لذا فهى ذات طبيعة خاصة لا يمكن القياس عليها كنظام وقواعد لكل الناس أو العامة".
بيت الطاعة
عقب صدور قرارات المجمع المقدس قرر البابا تواضروس، غلق صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، وقال فى تدوينته الأخيرة: "الوقت أثمن عطية يعطيها الله لنا يومياً ويجب أن نحسن استخدامها والمسيحى يجب أن يقدس وقته والراهب يترك كل شيء لتصير الحياة كلها مقدسة للرب".. وأضاف أن "ضياع الوقت فى الاهتمام بمواقع التواصل الاجتماعى صارت مضيعة للعمر والحياة والنقاوة".
واستطرد قائلاً "لأن الطاعة من نذورى الرهبانية التى يجب أن أصونها وأحفظها لذا أتوقف عن صفحة (فيس بوك) الخاصة بى وأغلقها، وأحيى كل أخوتى وأبنائى الذين نهجو طاعة لقرارات كنيستى المقدسة.
ويعد الأنبا رافائيل، الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة، من أول الآباء الكهنة الذين استجابوا لقرارات المجمع، وبادر بإغلاق حسابه على "فيسبوك".
وقال "رافائيل" فى تدوينته الأخيرة "بصفتى راهبًا قبطيًا أرثوذكسيًا سأغلق حسابى على صفحة فيسبوك وكل الوسائل الأخرى، ويكفى التواصل مع الأقباط من خلال التليفون العادى والسكرتارية".
وأشار إلى أن التواصل مع رعايا الكنيسة يمكن أن يتم عن طريق تطبيق على الجهاز المحمول، يرسل من خلاله كلمات كتابية من الإنجيل.
من جانبه أعلن الراهب القس بولس الأنبا بيشوى، تضامنه مع قرار اللجنة، قائلا: "أرجوكم عن تجربة أن تثقوا فى أن قرارات الكنيسة وقداسة البابا تواضروس الثانى والمجمع المقدس دائمًا هى الصواب، وصدقونى فهم الأدرى بصالح الكنيسة، وهم الأدرى ببواطن الأمور التى لا تعرفونها، وهم من يواجهون المشاكل ويتحملونها ولا يتحدثون، فليس كل ما يعرف يقال".
وأضاف "علينا أن نعيش فى طاعة الكنيسة ونخلص لها وليس لأشخاص ونصلى لها ونترك أمورها لرعاتها، فلا تلتفتوا للشائعات، وأطيعوا الكنيسة بحب وثقة، وصلوا لسيدنا البابا تواضروس أن يعينه الله فى كل أمر، فهو فى مسئولية كبيرة وأيام صعبة".
وفي ذات السياق ذكر القس بولس الأنبا بولا، الراهب بدير الأنبا بولا بالبحر الأحمر، فى تدوينة أخيرة على صفحته بـ"فيسبوك":لقد كان موقع التواصل الاجتماعى سببًا رئيسيًا للتعرف ولقاء مجموعات متعددة من الشباب الواعد المهتم بالأبحاث والدراسات اللاهوتية ومختلف العلوم الكنسية، والتى أشجعكم وأحثكم على بذل المزيد والمزيد من الوقت والجهد فيها".
وتابع: لأجل الكنيسة التى نحن جميعًا غارقون فى حبها حتى النخاع، وبهذه المناسبة أود أن أعبر لكم عن امتناني، فلقد استفدت كثيرًا منكم سواء من الأبحاث أو الآراء التى يقدمها كل منكم على صفحته الخاصة، مهما اتفقت أو اختلفت معها فى الشكل أو المضمون لأنى موقن بأنه لا يستطيع المرء أن يقيم الحجة القوية على صحة رأى، ما لم يكن عارفًا بما يقدمه من يخالفه فى الرأى".
وأضاف بولا "طاعة لكلمات الكنيسة الأرثوذكسية المقدسة المتمثلة فى مجمعها المقدس، ولكونى ابنًا لهذه الكنيسة كما أنتم أيضا أبناء لا أُجراء، ليس خوفًا من عقوبة ما لأن الابن الحُر لا يخاف شيئًا بينما الأجير يخضع خوفًا من العقاب بعد التوصيات الأخيرة للجنة المجمع المقدس الخاصة بشئون الرهبنة فيما يختص بغلق مواقع التواصل الاجتماعى- بناء عليه سوف أغلق هذه الصفحة الخاصة بى على موقع Facebook"".
أما الأنبا دانييل أسقف سيدنى، فقرر إغلاق صفحته الخاصة على "فيسبوك"، قائلا:الراهب يترك كل شىء لتصير الحياة كلها مقدسة لله، طاعةً لكنيستى القبطية الأرثوذكسية، وأبينا قداسة البابا المعظم الانبا تواضروس وآبائى المطارنة والأساقفة أعضاء لجنة الرهبنة بالمجمع المقدس، سأتوقف عن صفحتى الخاصة هذه على فيسبوك وأغلقها، لأن الطاعة من نذورى الرهبانية التى يجب أن أصونها وأحفظها".