مخ الإرهابى
فى الفترة من 2014 إلى 2017، تم عمل دراستين علميتيين هامتين جدا فى برشلونة بإسبانيا.. الدراستان كان هدفهما بحث التركيب التشريحيى والوظيفى لمخ بعض الإرهابيين، واكتشاف مدى اختلافه (أو تشابهه) عن المخ البشرى الطبيعى. مع العلم بأن برشلونة من أكثر مدن أوروبا تعرضا للهجمات الإرهابية، ومن أكثر المناطق التى يتم فيها تجنيد الإرهابيين فى العالم. وشهدت ــ أثناء الدراستين ــ هجوما إرهابيا نفذه تنظيم داعش فى أغسطس 2017، تسبب فى مقتل 16 مدنيا وإصابة 152 آخرين.
الدراستين اتعملوا على 535 شخصا من المؤيدين لأفكار وأفعال تنظيم القاعدة، وكانت عملية اختيارهم واقناعهم للخضوع البحث والتحاليل وأشعات المخ المطلوبة عملية معقدة للغاية تضمنت الإجابة على أسئلة تخص القيم والمعتقدات، واستخبارات عن العلاقة بالآخر والموقف منه، واختيار أدوار معينة فى إحدى ألعاب الفيديو المشهورة بالعنف، ومعرفة التفضيلات الفردية عند الدخول فى مجموعة، وغيرها، فى إطار حازم من السرية والخصوصية وإخفاء هوية المشاركين، مع اتخاذ كل التدابير الأمنية والاحترازية اللازمة.
نتائج الدراستين كانت مفاجأة ومذهلة للغاية، لأنها أظهرت اختلافات واضحة بين مخ الشخص الإرهابى (أو المشجع والداعم والمستعد أن يكون إرهابيا)، وبين الشخص العادى. حيث أظهرت أشعات الرنين المغناطيسى الوظيفية Functional Magnetic Resonance Imaging حاجتين مهمين: الحاجة الأولى هى إن أمخاخ الإرهابيين أو المشجعين/الداعمين ليهم كان فيها عدم نشاط لمنطقة بالفص الأمامى من المخ اسمها Dorsolateral Prefrontal Cortex DLPFC، وهى منطقة مسئولة عن التداول المنطقى للأفكار، وعن حسابات الفائدة فى مقابل الخطورة. الحاجة التانية هى وجود نشاط زائد فى منطقة أخرى بالفص الأمامى بالمخ اسمها Ventromedial Prefrontal Cortex VMPFC، وهى منطقة مسئولة عن وضع قيمة للأشياء من وجهة نظر شخصية (غير موضوعية). المنطقتين دول بيكونوا مرتبطين ببعض وشغالين بشكل متناسق أثناء عملية اتخاذ القرار Decision Making.
مهم نعرف إن نشاط أو عدم نشاط المنطقتين دول هو فعل إرادى واختيارى، مش شىء بنتولد بيه أو بنكون مجبرين عليه.. وإلا كنا خرجنا من دائرة المسئولية والحساب والعقاب تماما.
الكلام ده بيقول إيه؟
الكلام ده بيقول إن الإرهابى بيختار أثناء اتخاذ قراراته إنه يفصل Disengage ويوقف عمل Deactivate العمليات المخية الخاصة بالمنطق والواقع وحسابات الفائدة والخطورة، ويقوم بالتركيز الشديد على قيمه الخاصة، ووجهة نظره الشخصية، وتفسيراته غير الموضوعية للأحداث.. نتائج الدراستين أظهرت ان المنطقتين دول بيفقدوا التواصل والارتباط ما بينهم بشكل حاد فى أمخاخ الإرهابيين والمشجعين والداعمين ليهم.
علشان كده الإرهابى ممكن يقتل أهله وناسه.. وممكن يتخلى عن آدميته وانسانيته.. وممكن يخون بلاده ووطنه ودينه.. وكل ده بكامل وعيه، وبكل اختياره، وبالرغم من أى عقل وأى منطق.
وعلشان كده شخصية الإرهابى مليئة بالمتناقضات، ولا تخلو من الفجوات، وتتسم بعدم الاتساق المطلق.
تابعونا.. وانتظروا المقال الأخير القادم..