الجالس فوق الشاروبيم، راكبًا على جحشٍ بمجد عظيم، اليوم ظَهر فى أوروشليم.. ترنيمة كنسية تعبر عن احتفال الكنيسة الأرثوذكسية بـأحد الشعانين، الذى يطلق عليه المصريون أحد السعف، وشهد- تاريخيا- دخول السيد المسيح مدينة القدس.
أحد السعف، الذى يحل، اليوم الأحد، يأتى سنويًا بعد الصوم الكبير الذى يتواصل لمدة 55 يومًا، ويدخل الأقباط به مناسبتهم الكبرى أسبوع الآلام، إحياء لذكرى خروج أهالى أورشليم لاستقبال المسيح بـالسعف، دلالة على الانتصار، وهتفوا له خلِّصنا خلّصنا.
شراء السعف
بداية من السبت السابق مباشرة على أحد الشعانين، يشترى الأقباط السعف، ويصنعون منه أشكالًا جميلة على هيئة صلبان وأساور وخواتم وتيجان، وكذلك أشكال الحمار أو الجمل أو عُش النمل، ومجدولة القربانة، ثم يذهبون مبكرا إلى الكنيسة، حاملين كل هذا معهم فى أجواء مبهجة.
وسُميت المناسبة بـأحد الشعانين، لأن كلمة شعانين هى تحريف للكلمة العبرية هوشعنا أو خلصنا، وذلك من وحى استقبال أهالى بيت المقدس المسيح راكبًا على حمار بهتاف خلصنا خلصنا.
ودينيا، يعنى أحد السعف فى المسيحية آخر يوم أحد فى الصوم الكبير عند الأقباط، وأول يوم فى جمعة الآلام، استنادا إلى تاريخ اليوم الذى دخل فيه المسيح القدس راكبًا حمارًا، تحقيقًا لنبوءة زكريا بن برخيا. وكان استعمال الحمير مقتصرًا فى المجتمع اليهودى آنذاك على طبقة الملوك والكهنة، وخرج أهل المدينة فى استقباله بسعف النخل لتظلله من أشعة الشمس، وذلك للاحتفال بعيد الفصح.
حينها، كان سعف النخيل علامة على الانتصار، لذلك فرش الناس ثيابهم على الأرض وأخذوا يهتفون- حسب رواية العهد الجديد-: هوشعنا، بمعنى خلصنا، أى أنهم يريدون الخلاص من الخطيئة، تحقيقًا لرسالة المسيح القائمة على سر الفداء، ومن هنا أصبحت المناسبة سنوية لكل للأقباط.
وعلى مستوى الطقوس فى هذا اليوم، يُصلى أحد الشعانين بالقداس العادى، ويُستخدم اللحن الفرايحى، ثم تُرفع صلوات بخور باكر، مع ما يعرف بـدورة الصليب، وأثناء ذلك تُقرأ فصول الأناجيل الأربعة فى زوايا الكنيسة الأربع وأرجائها، وبهذا العمل يُعلن انتشار الأناجيل فى أرجاء المسكونة.
قراءة الأناجيل الأربعة
وقداس الشعانين هو الوحيد فى العام الذى تقرأ فيه الأناجيل الأربعة، وذلك لأن واقعة دخول السيد المسيح أورشليم ذكرها الإنجيليون الأربعة، متى ومرقس ولوقا ويوحنا.
فالكنيسة تقرأ فصلًا من الإنجيل فى كل زاوية من الزوايا الكنسية لسببين، الأول للدلالة على انتشار الإنجيل فى كل أقطار الأرض الأربعة، والثانى لأن كل إنجيل من الأناجيل الأربعة روى خبر دخول الرب يسوع أورشليم، فهى تقرأ فى كل جهة فصلًا منها إشارة إلى أن بناء المسيحية يشيد على هذه الأعمدة الأربعة، وبالتالى على يسوع نفسه حجر الزاوية الذى نادى بها الرسل فى كل مكان وتنشد به الكنيسة الآن وإلى نهاية الزمان.
وفى نهاية القداس، يُصلَّى طقس التجنيز العام، وهو أحد طقوس أسبوع الآلام، والذى لا تصلى فيه الكنائس على المنتقلين بداية من أحد الشعانين إلى الجمعة العظيمة، ولكنها تصلى بصلوات أسبوع البصخة المقدسة، ليوجه الجميع مشاعرهم نحو آلام المسيح فى هذا الأسبوع.
وينتهى اليوم بتغيير ستار الهيكل إلى اللون الأسود، لتكتسى الكنيسة بالسواد إيذانا بأسبوع الآلام، ثم تبدأ البصخة المقدسة مساء الأحد، وتستمر حتى يوم الجمعة الحزينة، وتُتلى التسابيح والصلوات بالألحان الحزينة، ويعقبها سبت النور، وبعده أحد القيامة للاحتفال بالعيد.