«حكايات الدم» على لسان حفيد أقدم عائلة قبطية في العريش: «المسيح يصلب من جديد»
02.03.2017 21:10
تقاريركم الصحفيه Your Reports
«حكايات الدم» على لسان حفيد أقدم عائلة قبطية في العريش: «المسيح يصلب من جديد»
حجم الخط

■ الهجوم على المسيحيين زاد بعد 30 يونيو.. والانتقال بدأ منذ فترة دون اهتمام إعلامى

■ نتجنب المشاركة فى القداس بعد القديسين.. ونتلقى رسائل تهديد منذ ثورة يناير

 

اللى شاف غير اللى سمع.. جملة تعبر عن حقيقة غير قابلة للشك، فما تسجله العين، ويعيشه الشخص واقعًا حياتيًا، يصحو وينام عليه، وقع صدقًا من كل الروايات والشهادات، خاصة تلك المتعلقة بـدم ونار وإرهاب واستهداف.

 

كاتب هذه السطور مواطن قبطى ينتمى لأقدم عائلة مسيحية فى العريش تسكنها منذ 1948، عن أشباح داعش، ينقل مشاهد ليست سينمائية، وإنما حياتية أداها وأخرجها وعانى منها مواطنون كل ذنبهم أنهم ولدوا فى العريش واتبعوا المسيح. 

المسيح يصلب من جديد فى 2011

يغلق 2010 دفاتره، ونستعد لاستقبال العام الجديد 2011، عام الحزن والثورة، لم تزل عنا آثار ما خلفته أحداث كنيسة نجع حمادى بداية العام من سوء فى نفوسنا، الأسرة كانت فى حالة تخوف من الذهاب إلى احتفالات رأس السنة للعام الجديد.

 

استيقظنا صباح اليوم الأول من 2011 على حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية، والأسرة فى سيناء لم تكن بمعزل عما حدث، فزادت حالة التخوف من الذهاب إلى قداس عيد الميلاد، وهاتفنى وقتها عدد من زملاء الدراسة، وغالبيتهم مسلمون، يعزون الأسرة فى هذا الحادث الأليم، مع بعض عبارات التحذير بألا أذهب إلى القداس.

مرت الأيام وجاءت ثورة يناير، وتصاعدت أحداثها، وظهر معها مشهد لم نعتده من قبل، والمتمثل فى رسائل تهديد ترسل إلى الأقباط فى رفح، وهجرة بعض من تلك الأسر، وتفجير الكنيسة هناك.

 

فى أحد الأيام التالية للثورة، توجهت إلى كنيستى مار جرجس المتواجدة فى شارع الأزهر، لأفاجأ بمجموعة مسلحة من أهالى البلد تطوق الكنيسة، فانتابنى قلق شديد، خاصة أن والدتى كانت فى الداخل، إلى أن جاء وطمأننى أستاذ عزمى، وهو الشهيد القس روفائيل فيما بعد.

 

القس روفائيل أو الأستاذ عزمى، سمه كما شئت، والذى قتل فى يونيو الماضى، أخبرنى عن تلقى الكنيسة تهديدات، وأن هؤلاء المسلحين من جيرانها الذين أتوا خصيصًا لحمايتها.

قصص الاختطاف والقتل

لم تكن الليالى فى سيناء تمر علينا بسهولة، فأخبار القتل والاختطاف تتوالى علينا يوميًا، نرى العائلات من حولنا تترك العريش، وفقدنا الكثير من الأصدقاء خلال تلك الفترة.

 

كانت لنا تجارب مع الاختطاف والقتل لمعارف، أولاها فى 2013، حين كنت على وشك الاختطاف فى منطقة كرم أبو نجيله على يد مجموعة مجهولة، لولا تدخل القدر الذى أتى بمجموعة من البدو، وتفاوضوا مع المجموعة المسلحة حتى تركونى، وقال لى أحد الملثمين: لك فى رقبتهم عهد وذمة.

فى اليوم التالى، علمت بخطف صديق العائلة سامح لطفى، الذى كان يتردد على عمارتنا كثيرًا، وتجمعه صداقة قوية بعمى.

 

الخروج من المنزل فى عهد حكم الإخوان كان بمثابة انتحار، كنا نعلم أننا مستهدفون، وظننا بعد عزل مرسى أن الأمور ستتحسن، لكنها كانت البداية، فازدادت حدة الهجوم على الأقباط، كضريبة لمشاركتهم فى 30 يونيو، وتوالت عمليات الاختطاف والقتل والذبح وتفجير الكنائس، ورحيل الأسر.

الكنائس التى كانت تضج بالمصلين كل أحد وجمعة أصبحت خالية، فحتى من يوجد فى العريش كان يخاف الذهاب للكنيسة، وكان التحدى الحقيقى لعائلتى هو الاستمرار فى الأرض التى ولدوا فيها، مع أن ذلك لم يمنعنا من شراء شقة فى القاهرة، لأننا كنا نعلم أننا سنترك العريش مجبورين يومًا ما.

 

اقترب الخطر كثيرًا باختطاف جارنا الدكتور وديع رمسيس، الطبيب المسيحى ورجل الأعمال المعروف بمشروعاته فى العريش، والذى كان مشاكسًا، فعيادته الخصوصية كان تلفازها بحجرة الاستقبال المطلة على الشارع يذيع برنامج القمص زكريا بطرس المعروف بآرائه المعادية للإسلام.اتذكر اليوم الذى خطف فيه، سمعنا إطلاق نار كثيفًا وصوت استغاثة لسيدة، خرجنا فوجدنا السيدات تبكى: خطفوا دكتور وديع، وسادت حالة من القلق والتجاهل الإعلامى لما يحدث، حتى مرت شهور دون أن يعود، وكانت هناك مفاوضات مع عائلته على الفدية التى سيتم دفعها، وبالفعل تم دفع مليون ونصف المليون، عاد بعدها دكتور وديع إلى أهله وترك العريش وصفى كل أعماله.

 

شهدت تلك الفترة كذلك خطف جمال شنودة، تاجر الاسمنت، وطلب فدية 10 ملايين جنيه، وهو ما دفع المزيد من الأسر المسيحية للرحيل وتصفية أعمالهم.

 

قصة قتل أخرى بطلها والد صديقى جوزيف، ويدعى نبيل محروس، الذى منحه الرئيس عبدالفتاح السيسى وسام الجمهورية واستلمته زوجته.

آخر حكايات القتل بطلها القس روفائيل، حيث عدت إلى العريش وسألت عنه فقالوا لى إنى لن أجده فى منزله، فقد تلقى رسائل تهديد كثيرة، باع على إثرها المنزل وسكن فى المضيفة الملحقة بكنيسة المساعيد، ونقل عائلته من العريش إلى الإسماعيلية، أرسلت له رسالة لنلتقى، فرد برسالة قال فيها: إن شاء الرب وعشنا نتقابل لما ترجع العريش تانى.. وفى يوم 30 يونيو تفاجأت بخبر عن وفاة كاهن يدعى روفائيل، فهاتفت والدى أسأله، فجاءت إجابته: حبيبك اتقتل يا ابنى.

 

بدايات 2017، أدركنا بشكل كبير أن الوضع فى سيناء لن يتحسن، فوالدى تلقى تهديدًا مباشرًا بالسلاح من مسلح أمهله 48 ساعة حتى يغادر المدينة، وبالفعل غادرها.

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.