بقلم /الداعية المعاصر احمد صابر
لقد مرت الأيام مرور الكرام وستمرُّ السنون وتأتي أجيال تلو الأجيال لكي ترى وتسمع وتشاهد أعمال وأفعال رسالة حب وتقدير واحترام الأوطان وحب الإنسان لأخيه الإنسان، وإن اختلفت العقائد والألسنة والأديان والأوطان والأحساب والأنساب، كل ذلك قد يرحل ويزول، ويبقى الإنسان الذي هو بنيان الله وخليفته في أرضه.
وهذا باختصار يا سادة ما تعلمناه من المتنيح الأنبا شنودة الإنسان بابا العرب ومعلِّم الأجيال حبيب الملايين من المسلمين والمسيحيين على حد سواء. قاهر الشر بالخير وحاقن الفتنة بالحكمة، بليغ الكلمة، قليل الغضب بكاء العين للسماء الراهب السائح المتوحد بالمغاراة لسنوات وسنوات يتيم الأم (نظير القلب) (جيد المعدن) (ميخائيل الملاك) نداه وسماه على اسم أول الرهبان أنطونيوس السريان ظن أنه رسم أسقفًا للتعليم دون رغبته لكنه قدر له أزليًّا بابا في فترة حاسمة في تاريخ المسيحية المصرية التي تختلف عن مسيحية العالم كله جاء بعد البابا الروحي كيرلس السادس فجمع بين الرهبنة والروحانية والعلمانية والمدنية والوطنية بوسطية واعتدال.
وكان كريمًا وأديبًا شاعرًا محبًّا لأعدائه قبل أحبابه جاء البابا شنودة في وقت صعب وعصيب جدا بعد حرب وهزيمة وانكسار ومنذ توليه شاهدت مصر انتصارات وأفراحًا وانفتاحًا على العالم وخاض هو نفسه بفكره المعاصر وشخصيته النادرة صولات وجولات حول العالم لتغيير الأفكار والمسار العملي على المستوى الإنساني العالمي وليس المصري والعربي فحسب فقد وحد جميع الطوائف على مائدة واحدة هي مائدة الإنسانية.
ولم ينس إخوانه المسلمين ورجال الدين فدعا الأزهر الشريف علي مائدة الرحمن للإفطار في شهر رمضان الكريم ومن أعز أصدقائه علماء ومشايخ الأزهر الشريف وعلى رأسهم فضيلة الامام محمد متولي الشعراوي.
ولما كانت الامور تتجه إلى الفتنة الطائفية سنة 81 اعتزل الجميع وارتبط بالواحد والشاهد علي هذا هو التاريخ الذي لا يتجمل والصور التي لا تكذب كان وقت الشدائد ينظر إلى الله بدموع عيناه وإذا تكلم قل ودل واذا سكتا فهمناه وإذا غاب وجدناه واذا حضر لم نشعر به كالنسمة العابرة ظل أكثر من أربعين سنة مرة كالحظات كطيف ملاك قد كتبت عنه قصص وروايات وحكايات سترويها الأجيال تلو الأجيال، وسيبقى السؤال: من هذا البابا الأسد الإنسان الذي تنيَّح أيضًا في وقت صعب وعصيب جدًّا على مصر والعالم العربي بعد أحداث غريبة جدًّا لا ولن تمر بها مصر مرة ثانية أبدًا إن شاء الله.
شاع فيها الفوضى وتفشى فيها الانفلات الأمني والأخلاقي، ورغم ذلك لم ير منه العالم إلا الكلمة الطيبة والحكمة والصبر والصمت الذي هو أبلغ من الكلام فهو لا يخفى عن أحد فهل من أحد يذكر له غير الخير. ومن أقواله (ربنا موجود) أي يسمع ويرى ومطّلع على الماضي والحاضر والمستقبل يعلم سبحانه خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
(وكله للخير) أي أن الله خلق الإنسان ليسعد في الدنيا والآخرة بالحب والعلم والإيمان والعمل الصالح، كما قال تعالى: ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرًا عليمًا، (ومسيرها تنتهي) أي ستنتهي هذه الحياة يومًا ما بحُلوها ومُرِّها بخيرها وشرها ولا يبقى سوى المحبة التي لا تسقط أبدًا، لهذا قال البابا شنودة إن مصر تعيش فينا قبل أن نعيش فيها ولو أنه في يوم ما أتى الغرباء ليحمو الأقباط فلتذهب الأقباط إلى الجحيم ولتعش مصر.
وقرر الأنبا تواضروس الثاني من بعده وهو أحد أبنائه نعيش في وطن بلا كنائس خير من أن نعيش في كنائس بلا وطن لهذا نقول في ذكراه أيها المعلم، الدنيا دمعة وبسمة وذكرى فهموم الدنيا يا بابا شنودة تمحو البسمة ومع الوقت تجف الدمعة وتبقى الذكرى. فأقبلْ على النفس واستكملْ فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان، وداعًا بابا العرب ومعلِّم الأجيال .البابا الأسد الإنسان.