بعد رحيل رئيسه.. حكاية «الدير المحرّق» فى مصر
28.07.2017 02:10
تقاريركم الصحفيه Your Reports
بعد رحيل رئيسه.. حكاية «الدير المحرّق» فى مصر
حجم الخط

رحل الأنبا ساويرس، أسقف ورئيس دير العذراء مريم، الشهير بالدير المحرق.. وحتى يتم اختيار أسقف جديد للدير سيظل الدير محل بؤرة الأضواء، ويعد هذا الدير من أهم الأديرة فى مصر، ويُعرف بـ"القدس المصرى".

 

عُرِفَ "الدير المحرق" منذ القدم باسم "دير السيدة العذراء"، واشتُهر بدير المحرق، وأيضًا، بـ"دير جبل قسقام.. وترجع شهرته "بدير المحرق" إلى أنه كان متاخمًا لمنطقة تجميع الحشائش، والنباتات الضارة، وحرقها، ولذلك دُعيت بالمنطقة المحروقة أو المحترقة.

 

ومع مرور الوقت، استقر لقب الدير بالمحرق، كما أنه أشتهر بدير جبل قسقام، و"قسقام" اسم قديم منذ عصر الفراعنة، وهو يتكون من مقطعين "قُس.. وقام".. و"قس" هى اسم مدينة اندثرت حاليًا، وكانت عاصمة الولاية الرابعة عشرة من الولايات الـ22 التى كان مقسمًا بها صعيد مصر، ولم يبقَ منها حاليًا، إلا البربا "المعبد"، ومعناها الدينى المكان العلوى، ومعناها المدنى، تكفين أو تحنيط جثة الميت ولفها بالكتان لتحضيرها للدفن.

 

و"قام"... اسم كانت تختص به المنطقة التى تقع غرب الولاية الرابعة عشر، ومعناها الدينى اللانهاية "إلى الأبد"، ومعناها المدنى، كما يقول المؤرخ أبو المكارم، "مكفن بالحلفاء للفقراء".. ولقرب "قام" من "قُسْ" اشتهرت المنطقة، والجبل المجاور بقسقام، وبالتالى اشتهر الدير بدير جبل قسقام.

العائلة المقدسة

منذ أن حلَّت العائلة المقدسة: السيد المسيح، والعذراء مريم، والقديس يوسف فى منطقة الدير، أصبحت منطقة مباركة، خصوصًا أن العائلة عاشت فيه نحو 6 أشهر، وهى أكبر مدة قضتها بمكان، حيث بُنى الدير، وبُنيت فيه كنيسة العذراء الأثرية، والتى تُصلى فيها القداسات يوميًا باللغة القبطية فقط، ومذبح الكنيسة هو حجر كان يجلس عليه المسيح ودشَّنه بنفسه لذلك يسمى "قدس مصر".

 

وقد أحب الأحباش وعشقوا الأماكن التى عاش فيها السيد المسيح له المجد، فى فلسطين، وكذلك فى قسقام فى مصر التى اعتبروها "أورشليم الثانية، فانجذب كثير منهم إلى ترك بلادهم، والتوجه إلى هذه الأماكن ليحيوا فيها حياة النُسُك والزهد، والرهبانية.. وتوجد إشارة تاريخية تبين أنهم كانوا فى أواخر القرن الرابع فى دير قسقام.

 

والدير عمومًا وكنيسته الأثرية خصوصًا، لهما شأن عظيم بالنسبة لهم، وهم يجلُّون الدير ويحترمونه ويقدسونه ويهابونه حتى إن ترابه يعتبرونه بركة، لأن السيد المسيح له المجد، داسه بأقدامه المقدسة، وهو طفل وتعجز هنا الكلمات عن وصف مقدار تبجيلهم للدير وتمتلئ مخطوطاتهم المحفوظة فى أديرتهم بالمعجزات العديدة التى صنعتها السيدة العذراء فى دير قسقام.

 

ويقول العالم كونتى روسيّنى، أحد العلماء المتخصصين فى دراسة المخطوطات الأثيوبية، فى أوائل القرن العشرين الميلادى، إن مجتمع الأحباش الرهبانى فى دير قسقام فى القرنين الرابع عشر، والخامس عشر الميلاديين، كان نشيطًا وكان يتكون من حوالى ثلاثين بين راهب، وقس، وشماس، وكان هذا المجتمع الحبشى مشهورًا لدرجة أن الملك الحبشى صايفا أراد كرّمه بإرسال نسخة من الأناجيل على سبيل الهدية.

 

ويذكر التاريخ أن اسم الراهب الذى كان فى دير قسقام، واستُشهد أيام البابا متاؤس الكبير "1378 ـ 1408" هو إرسانيوس الحبشى، وفى مخطوطات أخرى أرشليدس.

 

ويقول الأحباش، إن الملكة منتواب، معناها جميلة أو عجيبة، إمبراطورة إثيوبيا التى تنازلت بالحكم لابنها إياسو الثانى IYASU II ومعناها "يسوع" "1730 ـ 1755 م"، زارت دير قسقام فى القرن 18 الميلادى، ونقلت ترابًا منه مزجته فى مواد بناء كنيسة عظيمة فى مدينة قسقام التى تعتبر من المدن الإثيوبية الرئيسة، والتى لها مركز كنسى هام بإقليم جواندار بالحبشة.

كنيسة الأحباش بدير المحرق

كان كثير من الرهبان الأحباش الإثيوبيين، يرغبون فى الإقامة بدير المحرق بالذات، ولهذا كان دير المحرق أكثر من غيره من أديرتنا القبطية ملاذًا للرهبان الأثيوبيين، فكان يصل عددهم فى بعض الأوقات إلى 40 راهبًا أو يزيد.

 

ولذلك رأى بعض الرؤساء بناءً على رغبة هؤلاء الرهبان أن بنيت لهم كنيسة صغيرة باسم يوحنا المعمدان، لعدم قدرتهم متابعة الصلوات باللغة القبطية.. وعندما توسعت الكنيسة الأثرية بُنى مذبح لهم باسم القديس تكلا هيمانوت، وذلك دعمًا لأواصر المودة والمحبة مع الأثيوبيين الذين تربطهم بدير المحرق روابط تاريخية قديمه.

الدير فى العصر الحديث

بعد اعتلاء البابا شنودة الثالث للكرسى المرقسى عام 1971م، أرسل الأنبا أغاثون، أسقف عام الكرازة فى عام 1972م لإدارة الدير وكانت نقلة حضارية فى تاريخ الدير، حيث حرص على تعميره رهبانيًا، وعلميًا، وإدرايًا، وذاع صيت الدير، وبدأ يزحف على يديه شباب أفاضل ترهَّبوا فى الدير بتلمذته، وتحت إرشاده.

 

وقد رتب الرب، أن يختار أحد الشباب الغيورين على كنيستهم، الرهبنة فى دير المحرق، فرسَّمه الأنبا أغاثون راهبًا باسم بيشوى المحرقى سنة 1974 م، ثم نال نعمة الكهنوت فى عام 1975م، وعُيِّن وكيلًا للدير، إلى أن قام البابا شنودة الثالث برسامته خورى إبسكوبوس، أى مساعد أسقف فى عيد العنصرة سنة 1977م، وتقلد مهام الإدارة والقيادة الروحية.

 

ولمحبة الآباء وتقديرهم له ذكّوه لدرجة الأسقفية، ثم سِيمَ أسقفًا للدير والقرى المجاورة فى عيد العنصرة سنة 1985م. والأعمال التى أنجزها هى شاهدة على محبته، وتفانيه فى خدمة الدير ورهبانه، وهو الأنبا ساويرس الذى رحل إلى السماء مؤخرًا، وقد أسس مبانى حديثة وكنيسة خارجية للزوار، ومساكن للرهبان.

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.