في موعد صالونها الشهري نظمت اليوم دار نشر انسان ندوة حول الموسيقى التصويرية استضافت فيها الموسيقار الكبير د. راجح داوود وأدار الندوة الإعلامي الكبير د. خالد منتصر، والتي بدأ فيها د. راجح داوود حديثه فقال عن جيل ماقبل السبعينات: ” يعتبر العصر الذهبي للسينما وموسيقاها خلافاً لما ظهر في السبعينات بما يعرف (سينما المقاولات) والتي دفعت الكثير من الموسيقيين للاتجاه إلى الدراما بدلا من السينما أمثال (ياسر عبد الرحمن ومودي الإمام) مثلا، وهناك مرحلة الأفلام التسجيلية الرائعة والتي تميزت بعدم خضوعها لأى رقابة وكانت جد ثرية ومثمرة ومفعمة بالحريات أبدع فيها ( داود عبد السيد، محمد خان، يوسف شاهين وغيرهم) ، ولعل فيلم (وصية رجل طيب) لداود عبد السيد اكبر دليل على ذلك، ولكن ذهب كل ذلك سدى بتوقف المركز القومي للسينما التسجيلية عن العمل على هذه الروائع ودعمها” .
وهنا تجاذب معه الحوار د. خالد منتصر فبادره بسؤالان في غاية الأهمية، فسأله أولا عن علاقته بالسيناريو وهل يجب أن يقرأ العمل ويحبه قبل تقديم موسيقاه؟
وهنا أجابه د. راجح داوود:” السيناريو لا قيمة له بمجرد قراءته ولكن المخرج هو القادر على توظيف كل مشهد وكلمة ثم يأتي دور الموسيقي لتجعله عمل ناطق..قبل ذلك يصعب الحكم على العمل”
ثم سأله ثانياً عن أفلامه التي قدم موسيقاها التصويرية بينما كانت تحمل أغان بداخلها فهل قام بتلحين تلك الأغاني أيضا؟.
وأجاب أنه على حسب فهناك فيلم (الكيت كات) لم يقدم ألحان الأغنية بداخله بينما فعل ذلك في فيلم(سارق الفرح).
ثم بدأت المناقشات تتهاوى على الموسيقار الكبير والتي افتتحها أ. أحمد يوسف (عميد معهد الموسيقى العربية) وتحدث عن تاريخ الموسيقار راجح داوود ووالده سامي داوود وبأنه اختير ضمن المئات لتلحين النشيد الوطني لموريتانيا وأفلام مثل الكيت كات ورسائل البحر وغيرها أكبر شاهد واقترح بتعديل عنوان الندوة إلي ( الموسيقى التصويرية فن وعلم) وليس (فن وهوية) .
ثم تحدث أ. حسين محمد نوح وهو كاتب وفنان تشكيلي ونجل الفنان العظيم الراحل (محمد نوح) عن أنه أدار استديو لمدة ٢٠ عاماً ويعرف كيف تميز موسيقار مثل راجح داود في اختيار لما يسمى ب (محض موسيقى) وهو علم له نظريات وحسابات دقيقة تُحسب له.
أما الكاتب الكبير أ. أيمن الحكيم فتحدث عن أن الاخلاص للموسيقى قد يصل إلى حد التصوف فلماذا لم يُلحن راجح داود لمجرد التلحين؟ وهل يوجد خطر على الموسيقى في الفترة القادمة وسط مانشهده من تردي واضح للزوق العام؟
وهنا أجابه الموسيقار:” لا أوافقك الرأى ابدا فما نشهده الآن ماهو إلا (طرح بحر) فكما يُلقي البحر بكل مخلفاته ويلفظ كل ماهو غريب عنه ثم يعود نظيفا مرة أخرى أيضا هذا ماسيحدث وقريبا جدا فكون المجال مفتوح والأعداد في تزايد يظهر سلبيات الأمر ولكن له إيجابيات أيضا وما أكد لي ذلك بيان تأييد الموسيقيين الذي ظهر في قضية مسلسل (سره آلياته) وكم الأسماء الكبيرة العظيمة التي كتبت على البيان”.
أما د. أمل حرب فسألت مباشرة عن المسؤول المباشر عن اختفاء التربية الموسيقية من المدارس؟ ولماذا يقتصر التقديم للمعاهد الموسيقية فقط علي طلبة ثانوية عامة أو طلاب الكونسرفتوار دون طلاب التعليم الفني؟ .
وأجابهاد. راجح بأن المسؤول الأول عن اختفاء الزوق وتدني مستوى الناس هو بالطبع وزارة التربية والتعليم وكذلك وزارة الإعلام، ثم أوضح “أحمد يوسف”_ عميد المعهد العالي للموسيقى العربية عن فتح الباب منذ عامين مضوا لطلبة التعليم الفني بأنواعه .
أما أ. زينب حسن الإمام فتحدثت عن الملكية الفكرية وعن المنطوق الصحيح للكلمة وهو الموسيقى التصورية وليس التصويرية لأنها تتصور المشهد ولا تقم بتصويره كما هو الدارج لدى العامة
وتحدث الموسيقي أ. صبري صلاح عن رغبته في عودة الموسيقى بطعمها قديما، فمع ظهور السوفت وير والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المختلفة أصبح كل شيء مترجم ولا حاجة للتفكير أو الإبداع مما يقتل كل جميل وبالبطئ
وأما الموسيقي أ. أحمد عادل فتحدث عن مشكلة أخرى جد مهمة وهى العمل في مسارح الدولة في ظل الضرائب الباهظة وضعف الأجور والعمل بلا ابداع وتجديد حين يُطلب منهم تقديم عمل سبق تقديمه أو سرقته وتعديله إلكترونيا وعن إمكانية حدوث الأفضل فأجابه الموسيقار أنها مشكلة كبيرة قائمة بالفعل وهو اختيار صعب لأنه مصدر دخلك للمعيشة ونصحه:”إذا توفر بديل أفضل فلا تتردد”
وعقب المهندس سعيد_أحد مقاتلي حرب أكتوبر :” سعادتي غامرة باستضافة د. خالد منتصر للمبدع د. راجح داود وهو أكبر قصف جبهة للتردي الموجود حالياً، أما الموسيقى التصويرية التي لا تفارق أذني فهي صوت جنازير الدبابات الحربية وهو ما جعلني كمهندس ميكانيكا أدقق في كل ما يسمعه فالراحل بليغ حمدي عندما طلب من (فؤادة) فتح الهويس صنع صوت الصدأ للدلالة على عدم استخدام الهويس بآلة موسيقية تظهر في خلفية الموسيقى التصويرية لا يستشعرها أي شخص عادي، ومن منا ينسى موسيقى فيلم الرجل الثاني مثلا وما على شاكلته من ابداعات لاتُنسى”
واختتم اللقاء د. خالد منتصر عندما سأله عن دور الموسيقى التصويرية في تعويض ضعف الأداء التمثيلي؟ وعن قدرة الذكاء الاصطناعي على حل محل الموسيقى؟
فأجاب د. راجح داوود:” قد يحدث عرضاً أثناء التصوير خطأ غير مقصود قد نستطيع تعويضه بصوت الموسيقى أحيانا ولكن لا تنجح دوما فالخطأ يظل خطأ، وبالنسبة للذكاء الاصطناعي فمهما بلغت قدراته لن يستطيع التحكم في زوق الناس”.
الأسئلة والمناقشات والتعقيبات كانت ثرية وكثيرة وممتعة جدا، وأتمنى تكرارها بشكل مستمر للإعلاء من الزوق العام فنياً.